منوعات
أخر الأخبار

من ورشة بسيطة إلى قصور الملوك.. محمد مسعد أبو فياض يحوّل الحلم إلى فن خالد

بقلم الإعلامية /منار أيمن سليم

في زاوية متواضعة من إحدى ورش النجارة القديمة، وُلدت أولى لمسات فنية صنعت منها الأيام توقيعًا لأحد أعظم فناني الزخرفة في العالم العربي. محمد مسعد أبو فياض، اسم أصبح أيقونة في عالم الديكور والزخرفة المعمارية، لا يُذكر في محافل الفن أو مجالس رجال الأعمال إلا مقرونًا بالتميز والتفرّد.

بدايته لم تكن مرفهة، ولم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، بل بدأ مشواره من الصفر. كانت يده الصغيرة تمسك بالإزميل والخشب منذ سنين الطفولة، ترسم على القطع البسيطة نقوشًا كانت تعبر عن خيال طفل موهوب، لكن القدر كان يخبئ له ما هو أعظم من مجرد موهبة.

في سن المراهقة، عمل في أكثر من ورشة وتعلم على يد عمال مهرة، لكنه كان مختلفًا عنهم، لا يكتفي بالتنفيذ بل يسأل عن المعنى، ويفكر في تطوير الشكل. لم يكن يرى الزخرفة كزينة سطحية، بل كل خط فيها كان يعبر عن قصة، وكل منحنى كان بمثابة توقيع خاص.

استمر سنوات في التعلم والتجريب، حتى أطلق أول مشروع يحمل اسمه الكامل، وكان عبارة عن زخرفة يدوية لفيلا صغيرة في إحدى قرى الصعيد. لم يكن المشروع ضخمًا، لكن من شاهد العمل شعر بأنه أمام فنان حقيقي لا مجرد حرفي. ومن هنا، بدأت العيون تلتفت إليه، وأصبحت الاتصالات تتوالى.

بعد نجاحه المتتالي، قرر أن يُنشئ فريقًا من الشباب، يدربهم على يده، ويغرس فيهم نفس القيم: الإتقان، الشغف، والاحترام العميق للتراث. أنشأ ما يشبه الأكاديمية المصغّرة داخل ورشته، وأصبح يُشرف بنفسه على كل قطعة تخرج منها.

شهرته تخطّت حدود مدينته، ثم محافظته، ثم مصر بأكملها. صار يُطلب في تصميم الفلل والقصور، ليس فقط من رجال الأعمال المصريين، بل من مستثمرين عرب في الخليج، وأصحاب مشاريع عقارية فاخرة في تركيا ودبي والمغرب.

يمتلك أبو فياض أسلوبًا متفرّدًا، فهو يجمع بين جماليات الزخارف الإسلامية والمغربية، ويدمجها بخطوط هندسية معاصرة، تعطي للمكان هويته الخاصة. أسقف مذهّبة بنقوش دقيقة، حوائط مطعّمة بالفسيفساء، أعمدة محفورة يدويًا بنمط عباسي أو أندلسي، كلها أعمال تحمل بصمته.

ومن أشهر مشاريعه قصر فاخر في منطقة الساحل الشمالي، صُمم بالكامل على الطراز الأندلسي، واستُخدمت فيه خامات طبيعية ونقوش محفورة يدويًا على مدار شهور، ليخرج القصر كتحفة فنية تتحدث عن نفسها.

لكن ما يميز محمد مسعد أبو فياض ليس فقط مهارته، بل تواضعه وإيمانه العميق بأن النجاح الحقيقي لا يُقاس بعدد الفلل التي صممها، بل بعدد الحرفيين الذين ألهمهم. لذلك يستثمر وقتًا كبيرًا في تدريب الشباب، وتوفير فرص عمل حقيقية لهم، ويحرص على تعليمهم أن الفن رسالة قبل أن يكون مهنة.

وفي تصريح له قال: “أنا ماشي بدعاء أمي، وبدعم الناس اللي شافت شغلي وآمنت بيا. والنهاردة لما يشاوروا على شغل محمد أبو فياض ويقولوا ده تحفة، بحس إن تعبي ما راحش على الفاضي”.

اليوم، تُعرض أعماله في معارض دولية، ويُطلب للتعاون في مشروعات عملاقة داخل مصر وخارجها. لكنه لا يزال يحتفظ بنفس الروح التي بدأ بها، ولا يزال يدخل ورشته بنفس الحماس، يمسك بالفرشاة والإزميل، يرسم الزخارف وكأنه يرسم قلبه.

قصة محمد مسعد أبو فياض ليست مجرد قصة نجاح، بل قصة كفاح، وعشق، وإيمان بأن الموهبة وحدها لا تكفي، بل لا بد من الإصرار، والتطوير، والأمانة في العمل. هو ليس مجرد صانع زخارف، بل صانع أحلام، حوّل الخشب والجص إلى تحف تخلّد التاريخ في زمن السرعة والخرسانة.

وهكذا، من ورشة بسيطة خرجت يد تصنع الجمال، وتعيد للفن الشرقي هيبته، وتنقش اسم صاحبها بحروف من ذهب في قلوب كل من عرفوه أو تعاملوا معه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى